بقلم : د.م سعيد عشري - خبير الاتصالات وامن المعلومات
إن حوكمة الذكاء الاصطناعى ليست مجرد مشكلة واحدة، فالمراقب سيجد أن أى جدول أعمال للسياسات الخاصة به دائما ما يحفز الابتكار لمواجهة التحديات المستعصية على الحل، بالإضافة لتجنب الانتشار الخطير كى لا يسير العالم لا شعوريا نحو سباق تسلح جديد. وهو ما حذر منه “هنرى كيسنجر” فى إشارة إلى أن الذكاء الاصطناعى بمثابة القوة التدميرية، بل إنه أقوى من أكبر قنبلة نووية، واصفا إياه بأنه الحدود الجديدة للحد من التسليح، ومحذرا من أنه إذا لم تجد القوى الرئيسة طرقا للحد من الوصول إليه، فإنه ببساطة سيتحول إلى سباق مجنون مسببا كوارث للبشرية. ولقد دفعت موجة النشاط المصاحبة لتطبيقاته التوليدية والمتقدمة قادة العالم للعمل على ضرورة حوكمته وتنظيمه، ومن الأهمية بمكان تحديد نوع التنظيم المطلوب، فالذكاء الاصطناعى لا يشبه أى تحد سابق، إذ إن سماته المتفردة والمقترنة بالحوافز الجغرافية السياسية والاقتصادية تتطلب ابتكارا فى أنظمة حوكمته.
وفى عام 2023 انتبهت الحكومات فى أنحاء العالم إلى هذا التحدى، فلقد انهمك المشرعون من بروكسل إلى بيجين فى صياغة أطر تنظيمية بداية من عملية هيروشيما التى ضمت مجموعة الدول السبع ودول الاتحاد الأوروبى وعددا من دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، إضافة إلى الهند وسنغافورة والإمارات، مرورا بإنشاء الأمم المتحدة لهيئة استشارية رفعية المستوى للذكاء الاصطناعى، إلى قمة العشرين التى انعقدت فى نيودلهى ودعا فيها رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى لوضع إطار جديد لحوكمة مسئولة متمحورة حول الإنسان، كما طالبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بإنشاء هيئة لمراقبة مخاطره على غرار الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ.
ولتحقيق الحوكمة الرشيدة للذكاء الاصطناعى لابد من وجود عدة مبادئ أولية، أولها: الإجراءات الوقائية من خلال خلق توازن بين المخاطر والعائد. ثانيها: سرعة الحركة من ناحية المرونة وقابلية التعديل وذاتية التصحيح بقدر سرعة هذه التكنولوجيا. ثالثها: الشمولية من خلال التعاون مع الشركات العاملة بالمجال. رابعها: الإحكام، إذ يجب أن تكون الحوكمة محكمة نظرا لقدرة الذكاء الاصطناعى على الانتشار بسهولة. خامسها: التوجيه، فمن الناحية العملية فإن نطاقا واحدا للحوكمة غير كاف لمواجهة المصادر المختلفة لمخاطر هذه التكنولوجيا ومن الأرجح أن ذلك سيتطلب وضع تصنيف تاكسونومى لتكون الحوكمة موجه وقائمة على المخاطر. لذا فمن المتصور أن تكون مسألة حوكمة الذكاء الاصطناعى من بين أصعب التحديات التى ستواجه المجتمع الدولى.